ابونا اليشع المقارى
ابونا اليشع المقارى
ابونا اليشع المقارى
ابونا اليشع المقارى
previous arrow
next arrow
Slider

ابونا اليشع المقارى
منارة ساطعة و كرمة مثمرة
(1936 - 2019)

على سبيل التقديم

أبونا اليشع، أن تتكلم عنه او تلم به، فهذا هو المستحيل بعينه، فمن اين تستطيع ان تبدا؟ وأي فضيلة يمكنك أن تصفه بها؟ كلها تسابق بعضها، والكمال فيها جميعها…هو اولا الراهب الفاضل، الذي أكمل نذور رهبانيته، وعاش أمينا لرهبانيته، عفيفا، متجردا لآخر نفس في حياته، ثم هو رجل الجهاد في الصلاة، وهو بطل حياة الإيمان، وهو النموذج الفائق للعطاء، هو المحبة العملية، هو إنسان السلام والمصالحة، هو اللطيف الوديع، هو ملاك ارضي وبشر سماوي… الكلام يقصر ولن يفي… هو باختصار الفضائل مجتمعة ومتجسمة. وعندما تسأله هو عن نفسه يجيبك أنه لا شيء، الرب هوكل شيء

منتهي التواضع وإنكار الذات. تخطى أبونا اليشع محدودية المكان، فانتماؤه المكاني لا ينحصر في بقعة معينة، فللرب الأرض وملؤها: هو راهب مجمعي في دير الأنبا مقار، وهو اب رهبان دير الأنبا مكاريوس بوادي الريان، وهو منشئ دير عمانوئيل وأب الراهبات هناك. والأديرة ليست هي وحدها مجال خدمته؛ فهو الذي انشأ صرح بيت المحبة للمغتربين بالزيتون، هذا الذي يسع 400 طالب، بالإضافة إلى عيادات المحبة بالزيتون.

ابونا اليشع لا نبالغ إن قلنا إنه شخصية اسطورية، صعب أن تتوافر فيها كل تلك الإمكانيات والفضائل، والتي ربما يصعب ويندر اجتماعها معا في شخص واحد؛ فكيف هو الراهب المتوحد، ساكن المغاير، محب الهدوء والخلوة، يكون هو هو نفسه الشخص الخادم، الذي لا ينفر من الناس ومن آلامهم واحتياجاتهم ويفعل المسحيل لأجل راحتهم

تميز أبونا أليشع بفضائل متنوعة، سوف نذكرها باستفاضة في ثنايا الكتاب، ولكنني أجدها موجودة عند كثير من المؤمنين – وإن كانت بدرجة أقل بكثير – ولكن، في نظري أجد إن اعظم فضيلة تميز بها هي فضيلة عدم الإدانة. لقد لاقى أبونا أليشع مقاومات شرسة وهجمات قاسية جارحة من كثيرين، إلا انه أبدا أبدا لم يدن إنسانا، لم يعاد مخلوقا، ظل على حبه وولائه للجميع، لم يتفوه بكلمة واحدة خارجة في حق أحد. قد تجد من حوله ينفعل ويهاجم ويخطئ وتأخذه الحمية ويرد ويدافع؛ أما هو فيصمت، ولا يخرج عن وقاره.

على أن هناك فضيلة أخرى احب ان أذكرها لأبونا أليشع فى هذه العجالة، وهي احتفاظه بهدوئه في كل الأماكن والأوقات؛ فمع أنه كان ينزل للعالم كثيرا لقضاء حاجات الدير وطلبات الآباء؛ إلا أنه وكأنه لم يفارق الدير، كان يحمل قلايته ومغارته معه، لم يفارقها ولم تفارقه.

عاش حياته للمسيح، عاشقاً للإله، هذه باختصار شديد ملخص سيرة حياته الطويلة، لقد استطاع من خلال اتكاله وثقته بمسيحه، ان يدخل بجسارة الإيمان أصعب المشاكل ويحلها ببساطة وسهولة شديدة ودون تعقيد… كل شيء عنده سهل وممكن، فإذا كان المسيح موجودا، فلا مستحيل، بل إن هذه الكلمة ملغية تماما من قاموس حياته.

سيرة أبونا أليشع هي ثرية وممتدة، وسنحاول ان نلخصها في مواقف من حياته وقصص من واقع اختباراته في عمل الله معه ومع الآخرين بواسطته… ويجب أن نعترف أننا مهما أسهبنا في السرد، ومهما قال عارفوه ومحبوه فلن نستطيع ان نلم بكافه جوانب هذا الإنسان الفريد.

وفي الختام نقول إن دعوة ابونا أليشع هي دعوة خاصة فريدة، غير قابلة للتكرار كثيرا. لقد جمع أبونا أليشع في نفسه النقيضين معا: حياة الرهبنة، بل الوحدة الكاملة في مغارة لمدة سنوات، ثم حياة الخدمة العاملة بكل ضوضائها!! كيف تم له ذلك؟ كيف نجح فيهما كليهما؟؟ لعل ذلك يعود لسببين: أولهما هو محبته بل عشقه للمسيح وامانته له بكل عزم وتصميم. وثانيهما هو فترة التأسيس الأولى التي قضاها في مغاير وادي الريان، حيث ملكت الرهبنة على كل حياته

وعندما دعاه داع سمع الصوت: <<لا تخف يا يعقوب للنزول إلى مصر>> أطاع وحمل مغارته معه، وأكمل رهبانيته وسط آلام البشرية. يجب ان نعترف صراحة أن انطلاقة أبونا أليشع من راهب داخل ديره، يحيا تحت نير المجمع الرهباني إلى حياة الخدمة في العالم.

أحدثت شرخا كبيرا في العلاقة بين أبينا أليشع وبين ديره، ولكن كل ما يعمل هو للخير. فكما أدى انفصال القديس مرقس عن القديس بولس إلى حين، إلى وجود جماعتين تبشيرتين بدلا من واحدة؛ هكذا صارهناك بواسطة أبينا أليشع أكثر من جماعة رهبانية. مصادر هذه السيرة العطرة هي من فمه مباشرة سواء حين كان يجلس معنا، كمجمع رهبان دير الأنبا مقار، بعد عودته من كل سفرية له للخارج، ليحكي لنا كيف تمجد الله معه وأحضر كل ما كلفه به أبوه الروحي القمص متى المسكين لاحتياجات الدير، والذي كان في المراحل الأولى لإعادة تعميره، أو في جلسات شخصية معه في المغارة حين كان مجموعة من الآباء يعملون معه اجتماع صلاة أسبوعي. وأيضا مذكرات شخصية للراهب الفاضل عمانوئيل المقاري. كذلك أحاديث أبينا كيرلس (اخيه في الرهبنة) عن الفترة التي قضوها معا في وادي الريان.

نكرر ليس هذا الكتاب تاريخا يؤرخ زمنيا لمراحل حياته؛ ولكنه إطلالات وومضات سريعة على عمل الله العظيم من خلال هذه المنارة المباركة التي رفعها الله على الجبل لتضيء لكثيرين في هذا الجيل.

مقدمة كتاب – العاشق الإلهي عمل الله فى حياة الأب الراهب أليشع المقاري

هذه هى اية حياة الأب اليشع المقارى


"اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ." (يع 1: 27)

و هذا هو المبدأ الذى تمسك به دائما


"ان راحتى هى فى راحة الأخرين، و سعادتى هى فى سعادة الأخرين، مهما كانت المشقة التى أحتملها فى سبيل ذلك"